Loading...
رئيس مجلس الإدارة
د.حاتم صادق

المصرى اون لاينبوابة خبرية متخصصة

رئيس التحرير
قدري الحجار

خطة مصر لليوم التالي
الدكتور حاتم صادق

الدكتور حاتم صادق

حتي الان مازال معضلة "اليوم التالي في غزة" تمثل اكبر عقبة ليس فقط في إعادة اعمار القطاع بعد حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل ، ولكن حتي في عملية السلام المتجمدة منذ اتفاقيات أوسلو.. وفي البداية يجب التفرقة بين فكرة المقاومة واحقيتها المشروعة في مواجهة الاحتلال وبين حركة "حماس" التي ارتكبت أخطاء لا تغتفر ليس في حق الشعب الفلسطيني فقط ولكن أيضا في مستقبل القضية الفلسطينية.

خلال السنوات العشرين الماضية تم تدمير غزة اكثر من ثلاثة مرات في حروب بسبب اهداف وهمية لحركة حماس وفي كل مرة يتم إعادة اعمار القطاع بمليارات الدولارات جميعها من أموال خليجية وعربية، وهذه المرة الكارثة افظع فالضحايا البشرية اقتربت من ٦٠ الف قتيل واكثر من ١٢٠ الف جريح فضلا عن تدمير ما يزيد عن ٩٠٪ من المباني والبني. التحتية في غزة فيما تقدر تكلفة إعادة الاعمار بحوالي ٦٠ مليار دولار تبعا لتقرير صادر من الأمم المتحدة.

في القمة العربية التي عقدت في القاهرة قبل ايام كان المحمور الرئيسي لها هو الخطة المصرية لاعادة الاعمار بدون تهجير سكان القطاع، وهي ردا على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الداعية الي تهجير الفلسطينيين من ارضهم مقابل تحويل غزة الي "ريفيرا". ومؤخرا نشر ترامب مقطع فيديو تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي على ما يبدو على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر غزة كملعب للأغنياء، منقط بتماثيل ذهبية لنفسه، وهو يتجول على شواطئها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي. لم يتم التعرف على منشئ الفيديو، لكنه أثار انتقادات قوية من الفلسطينيين في غزة، وكذلك الأمريكيين العرب والمسلمين الذين نشعروا بالفزع.

وتستند الخطة بعد التوافق عليها الي مبدأ أساسي وهو "لا يمكن إعادة إعمار غزة في ظل استمرار حكم حماس". او علي الأقل هذا هو شرط الممولين لعملية الاعمار بعد تجاربهم المريرة طوال السنوات العشرين الماضية. والدول الداعمة للخطة ترى أن أي مشروع سياسي مستقبلي يجب أن يستند إلى شرعية دولية، وأن يتم بتنسيق مباشر مع السلطة الفلسطينية، ما يعني عمليًا استبعاد حماس من المشهد السياسي والإداري في القطاع.

خلصت حرب السابع من أكتوبر الى نتيجة رئيسية وهى ان "حماس" أصبحت عبئًا سياسيًا وأمنيًا ليس فقط على الفلسطينيين، بل أيضًا على المنطقة بأكملها. لذا يجب أن تكون عمليات إعادة الإعمار ضمن إطار يضمن عدم حدوث مواجهات مسلحة جديدة، وهذا يستلزم استبعاد الحركة من السلطة او العمل العسكري مع الاعتراف بالحق المشروع للمقاومة الفعالة وليس التي تتسبب في الخراب. المشكلة الحقيقية هي ان تنفيذ هذه الرؤية على أرض الواقع قد يكون أصعب مما يبدو، إذ أن حماس ليست مجرد تنظيم سياسي، بل لا تزال تمتلك نفوذًا عسكريًا في القطاع، مع ذلك هي الان تدرك جيدًا ضعف موقفها حتي من اقرب حلفائها. وهذا ما دعا الحركة بعد دقائق من ختام القمة الى إعلان ترحيبها "بخطة إعادة إعمار غزة التي اعتمدتها القمة وبالدعوة لإجراء انتخابات فلسطينية"، خاصة ان الكلمة التي ألقاها الرئيس الفلسطيني محمود عباس ازالت الكثير من العوائق امام اجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عندما قررت السلطة اصدار عفو عام عن جميع المفصولين من الحركة ومن ضمنهم محمد دجلان اكثر الشخصيات القربية من تولى الرئاسة ، فضلا عن إعادة هيكلة الأطر القيادية للدولة، وضخ دماء جديدة في المنظمة و"فتح" وأجهزة الدولة، وعقد المجلس المركزي الفلسطيني خلال الفترة القريبة المقبلة.

الخطط التي صاغتها مصر هي محاولة لمعالجة المشهد المأسوي في غزة والتخلص من الأنقاض والدمار الذى شهده القطاع بعد 16 شهرا من الحرب والغارات الجوية الإسرائيلية المستمرة. ولدى القاهرة أيضا أفكار حول أنواع الشركات التي ستشارك في إعادة الإعمار، وكيفية استخدام الألواح الشمسية للكهرباء وكيفية إعادة استخدام الكميات الهائلة من الأنقاض بعد تطهيرها من الذخائر غير المنفجرة والآلاف من الجثث التي تقول وزارة الصحة في غزة إنها محاصرة تحت الأنقاض. وهذه الخطط تمضي بالتوازي مع الإصلاحات السياسية للسلطة الفلسطينية، والتي ستكون أساسية لتأمين دعم المانحين الدوليين لإعادة إعمار غزة، بما في ذلك من دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وتجري حاليا مناقشة إنشاء إدارة فلسطينية مؤقتة من 15 إلى 20 شخصا، من تكنوقراط غير تابعين لأي فصيل فلسطيني، فضلا عن الهيئة التي ستشرف على صرف عشرات المليارات من الدولارات اللازمة لإعادة بناء غزة بعد الحرب والأدوات الرقابية التي ستتابع عمليات الصرف لمعالجة مخاوف المانحين بشأن الفساد او التلاعب. وتحدد هذه الخطة أيضا سيناريوهات مختلفة وتنظر في الدور الذي يمكن أن تلعبه الهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة، وكذلك بلدان مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين.

التركيز الأساسي في خطط إعادة الإعمار بالنسبة لصناع القرار في مصر هو ان تلك عملية الاعمار ضمن رؤية شاملة مصر مرتبطة بعملية سلام أوسع واشمل وضمن إطار سياسي واضح يعالج المخاوف الأمنية المشروعة لكلا الطرفين ويضمن عدم إعادة احتلال لأراضي غزة او الضفة أو النقل القسري لسكانها.

كالعادة فان مصر التي يقع عليها العبء الأكبر والأخطر تتحرك بناء على استراتيجيتها المعلنة والمعروفة انأي نزوح جماعي للفلسطينيين إلى أراضيها خطا أحمر، ليس فقط لانه يؤدي الي تفريغ القضية الفلسطينية من محتواها ، لكنه أيضا يفقدها مبررها الأساسي وهو حقوق هذا الشعب في الأرض.



تواصل معنا